تلاوات خاشعة

السبت، 28 مارس 2020

أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون

جامع البيان — ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾
اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله جل ثناؤه بقوله:"أولئك على هدى من ربهم": فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الصفتين المتقدمتين، أعني: المؤمنين بالغيب من العرب، والمؤمنين بما أنزل إلى محمد ﷺ وإلى من قبله من الرسل. وإياهم جميعا وصف بأنهم على هدى منه، وأنهم هم المفلحون.
* ذكر من قال ذلك من أهل التأويل:
٢٩٢- حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ، أما "الذين يؤمنون بالغيب"، فهم المؤمنون من العرب،"والذين يؤمنون بما أنزل إليك"، المؤمنون من أهل الكتاب. ثم جمع الفريقين فقال:"أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"(١) .
وقال بعضهم: بل عنى بذلك المتقين الذين يؤمنون بالغيب، وهم الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد، وبما أنزل إلى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد ﷺ، وبما أنزل إلى من قبله، وهم مؤمنو أهل الكتاب الذين صدقوا بمحمد ﷺ وبما جاء به، وكانوا مؤمنين من قبل بسائر الأنبياء والكتب.
وعلى هذا التأويل الآخر يحتمل أن يكون ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ في محل خفض، ومحل رفع.
فأما الرفع فيه فإنه يأتيها من وجهين: أحدهما: من قبل العطف على ما في"يؤمنون بالغيب" من ذكر"الذين"، والثاني: أن يكون خبر مبتدأ، أو يكون"أولئك على هدى من ربهم"، مرافعها.
وأما الخفض فعلى العطف على"المتقين"، وإذا كانت معطوفة على"الذين" اتجه لها وجهان من المعنى: أحدهما: أن تكون هي و"الذين" الأولى، من صفة المتقين. وذلك على تأويل من رأى أن الآيات الأربع بعد"ألم"، نزلت في صنف واحد من أصناف المؤمنين. والوجه الثاني: أن تكون"الذين" الثانية معطوفة في الإعراب على"المتقين" بمعنى الخفض، وهم في المعنى صنف غير الصنف الأول. وذلك على مذهب من رأى أن الذين نزلت فيهم الآيتان الأولتان من المؤمنين بعد قوله"ألم"، غير الذين نزلت فيهم الآيتان الآخرتان اللتان تليان الأولتين.
وقد يحتمل أن تكون"الذين" الثانية مرفوعة في هذا الوجه بمعنى الائتناف(٢) ، إذ كانت مبتدأ بها بعد تمام آية وانقضاء قصة. وقد يجوز الرفع فيها أيضا بنية الائتناف، إذ كانت في مبتدأ آية، وإن كانت من صفة المتقين.
فالرفع إذا يصح فيها من أربعة أوجه، والخفض من وجهين.
وأولى التأويلات عندي بقوله ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عباس، وأن تكون"أولئك" إشارة إلى الفريقين، أعني: المتقين، والذين يؤمنون بما أنزل إليك، وتكون"أولئك" مرفوعة بالعائد من ذكرهم في قوله"على هدى من ربهم"؛ وأن تكون"الذين" الثانية معطوفة على ما قبل من الكلام، على ما قد بيناه.
وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية، لأن الله جل ثناؤه نعت الفريقين بنعتهم المحمود، ثم أثنى عليهم. فلم يكن عز وجل ليخص أحد الفريقين بالثناء، مع تساويهما فيما استحقا به الثناء من الصفات. كما غير جائز في عدله أن يتساويا فيما يستحقان به الجزاء من الأعمال، فيخص أحدهما بالجزاء دون الآخر، ويحرم الآخر جزاء عمله. فكذلك سبيل الثناء بالأعمال، لأن الثناء أحد أقسام الجزاء.
وأما معنى قوله ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فإن معنى ذلك: أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد، بتسديد الله إياهم، وتوفيقه لهم. كما:-
٢٩٣- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،"أولئك على هدى من ربهم": أي على نور من ربهم، واستقامة على ما جاءهم(٣) .
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) ﴾
وتأويل قوله:"وأولئك هم المفلحون" أي أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله، من الفوز بالثواب، والخلود في الجنان، والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب. كما:-
٢٩٤- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي الذين أدْركوا ما طلبوا، ونجَوْا من شرّ ما منه هَرَبُوا.
ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح، إدراكُ الطَّلِبة والظفر بالحاجة، قول لبيد بن ربيعة:
اعْقِلِي، إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي، ... وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلْ(٤)
يعني ظَفِر بحاجته وأصابَ خيرًا، ومنه قول الراجز:
عَدِمتُ أُمًّا ولَدتْ رِياحَا ... جَاءَتْ بِهِ مُفَرْكَحًا فِرْكَاحَا(٥) تَحْسِبُ أَنْ قَدْ وَلَدَتْ نَجَاحَا! ... أَشْهَدُ لا يَزِيدُهَا فَلاحَا
يعني: خيرًا وقربًا من حاجتها. والفلاحُ مصدر من قولك: أفلح فلان يُفلح إفلاحًا وفلاحًا وفَلَحًا. والفلاح أيضًا: البقاءُ، ومنه قول لبيد:
نَحُلُّ بِلادًا، كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا ... وَنَرْجُو الْفَلاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ(٦)
يريد البقاء، ومنه أيضًا قول عَبيد:
أَفْلِحَ بِمَا شِئْتَ، فَقَدْ يُدْرَكُ بِالضَّـ ... ـعْفِ، وَقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ(٧)
يريد: عش وابقَ بما شئت، وكذلك قول نابغة بني ذبيان:
وَكُلُّ فَتًى سَتَشْعَبُهُ شَعُوبٌ ... وَإِنْ أَثْرَى، وَإِنْ لاقَى فَلاحًا(٨)
أي نجاحًا بحاجته وبَقاءً.

(١) الخبر ٢٩٢- نقله ابن كثير ١: ٨١، والشوكاني ١: ٢٦. ونقله السيوطي ١: ٢٥ مطولا، جمع معه الأخبار الماضية: ٢٧٣، ٢٧٧، ٢٨١، جعلها سياقا واحدا، عن ابن مسعود وحده، ونسبه للطبري.
(٢) في المطبوعة: "الاستئناف" في هذا الموضع والذي يليه. وهما بمعنى.
(٣) الخبر ٢٩٣- ذكره ابن كثير ١: ٨١ مع تتمته الآتية: ٢٩٤.
(٤) ديوانه ٢: ١٢، والخطاب في البيت لصاحبته.
(٥) البيت الثاني في اللسان (فركح) . والفركحة: تباعد ما بين الأليتين. والفركاح والمفركح منه، يعني به الذم وأنه لا يطيق حمل ما يحمَّل في حرب أو مأثرة تبقى.
(٦) ديوانه القصيدة رقم: ١٤، يرثى من هلك من قومه.
(٧) ديوانه: ٧، وفي المطبوعة والديوان"فقد يبلغ"، وهما روايتان مشهورتان.
(٨) من قصيدة ليست في زيادات ديوانه منها إلا أبيات ثلاثة، ليس هذا أحدها. وشعوب: اسم للمنية والموت، غير مصروف، لأنها تشعب الناس، أي تصدعهم وتفرقهم. وشعبته شعوب: أي حطمته من ألافه فذهبت به وهلك.

تفسير القرآن العظيم — ابن كثير (٧٧٤ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ: الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ: مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَالْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى الرَّسُولِ ومَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَالْإِيقَانِ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِعْدَادَ لَهَا مِنَ الْعَمَلِ بِالصَّالِحَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.
﴿عَلَى هُدًى﴾ أَيْ: نُورٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمة أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا، وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَبُرْهَانٍ وَاسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ، بِتَسْدِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيِ المُنْجِحون الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، مِنَ الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، وَالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ، وَالنَّجَاةِ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْعِقَابِ(١) .
وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَعَادَ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ إِلَى مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَوْصُوفِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ الْآيَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ. [قَالَ](٢) وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ مُنْقَطِعًا(٣) مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ ﴿ [أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَ] أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(٤) وَاخْتَارَ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، لِمَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَمَّا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعَرَبِ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. ثُمَّ جَمَعَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْجِيحِ أَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، وَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نُقِلَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَرْجُو، وَنَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَكَادُ أَنْ نَيْأَسَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ: "أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؟ ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:" ﴿أَلَمْ * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ " إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ". قَالُوا: إِنَّا نَرْجُو أَنْ نَكُونَ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَالَ:" ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ " إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٌ﴾ هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ". قَالُوا: لَسْنَا هم يا رسول الله. قال: "أجل "(٥) .

(١) تفسير الطبري (١/٢٤٩) .
(٢) زيادة من جـ، ب، أ، و.
(٣) في جـ، ط، ب، أ، و: "مقتطعا".
(٤) زيادة من جـ، ط، ب.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم (١/٤٠) .


الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
قَالَ النَّحَّاسُ أَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: ألاك، وبعضهم يقول: ألا لك، والكاف لِلْخِطَابِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَنْ قَالَ أُولَئِكَ فَوَاحِدُهُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ أُلَاكَ فَوَاحِدُهُ ذَاكَ، وَأُلَالِكَ مثل أولئك، وأنشد ابن السكيت:
ألا لك قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أُشَابَةً(١) ... وَهَلْ يَعِظُ الضَّلِيلَ إِلَّا أُلَالِكَا
وَرُبَّمَا قَالُوا: أُولَئِكَ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ... وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ
وَقَالَ تَعَالَى:" إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا(٢) " [الاسراء: ٣٦] وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "مِنْ رَبِّهِمْ" رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: يَخْلُقُونَ إِيمَانَهُمْ وَهُدَاهُمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ: "مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ(٣) وَفِي الْهُدَى(٤) فَلَا مَعْنَى لاعادة ذلك.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ...  "رَبِّهِمْ" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً ثَانِيًا وَخَبَرُهُ "الْمُفْلِحُونَ"، وَالثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "رَبِّهِمْ" زَائِدَةً يُسَمِّيهَا الْبَصْرِيُّونَ فَاصِلَةً وَالْكُوفِيُّونَ عِمَادًا وَ "الْمُفْلِحُونَ" خبر "أُولئِكَ".
وَالْفَلْحُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الْحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ

أَيْ يُشَقُّ، وَمِنْهُ فِلَاحَةُ الْأَرَضِينَ إِنَّمَا هُوَ شَقُّهَا لِلْحَرْثِ، قال أَبُو عُبَيْدٍ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَكَّارُ(٥) فَلَّاحًا. وَيُقَالُ لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَتُهُ السُّفْلَى أَفْلَحُ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَلْحَةِ، فَكَأَنَّ الْمُفْلِحَ قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِبَ حَتَّى نَالَ مَطْلُوبَهُ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَوْزِ وَالْبَقَاءِ، وَهُوَ أَصْلُهُ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِاِمْرَأَتِهِ: اسْتَفْلِحِي بِأَمْرِكِ، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِكِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ
وَقَالَ الْأَضْبَطُ بْنُ قُرَيْعٍ السَّعْدِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سِعَهْ ... وَالْمُسْيُّ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ
يَقُولُ: لَيْسَ مَعَ كَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بَقَاءٌ. وَقَالَ آخَرُ:
نَحِلُّ بِلَادًا كُلَّهَا حُلَّ قَبْلَنَا ... وَنَرْجُو الْفَلَاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرَ
أَيِ الْبَقَاءَ: وَقَالَ عُبَيْدٌ:
أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُدْرَكُ بِالضَّ ... عْفِ وَقَدْ يُخَدَّعُ الْأَرِيبُ

أَيِ ابْقَ بِمَا شِئْتَ مِنْ كَيْسٍ وَحُمْقٍ فَقَدْ يُرْزَقُ الْأَحْمَقُ وَيُحْرَمُ الْعَاقِلُ. فَمَعْنَى "وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ": أَيِ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: الْمُفْلِحُونَ هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طلبوا ونجوا من شر مأمنه هَرَبُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْفَلَاحُ فِي السَّحُورِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاحُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ السَّحُورَ بِهِ بَقَاءُ الصَّوْمِ فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا. وَالْفَلَّاحُ (بِتَشْدِيدِ اللَّامِ): الْمُكَارِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:(٦)
لَهَا رِطْلٌ تَكِيلُ الزَّيْتَ فِيهِ ... وَفَلَّاحٌ يَسُوقُ لَهَا حِمَارًا
ثُمَّ الْفَلَاحُ فِي الْعُرْفِ: الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاةُ من المرهوب.
مسألة: إن قال قائل كَيْفَ قَرَأَ حَمْزَةُ: عَلَيْهُمْ وَإِلَيْهُمْ وَلَدَيْهُمْ، وَلَمْ يَقْرَأْ مِنْ رَبُّهُمْ وَلَا فِيهُمْ وَلَا جَنَّتَيْهُمْ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ وَلَدَيْهِمُ الْيَاءُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ أَلِفٍ، وَالْأَصْلُ عَلَاهُمْ وَلَدَاهُمْ وَإِلَاهُمْ فَأُقِرَّتِ الْهَاءُ عَلَى ضَمَّتِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي فِيهِمْ وَلَا مِنْ رَبِّهِمْ وَلَا جَنَّتَيْهِمْ، وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيُّ فِي "عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ" وَ "إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ" عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَنْهُمَا.

(١) الاشابة من الناس: الأخلاط. والاشابة في الكسب: ما خالطه الحرام الذي لا خير فيه والسحت.
(٢) راجع ج ١٠ ص ٢٥٩.
(٣) راجع المسألة الحادية والثلاثين ص ١٤٩.
(٤) راجع المسألة الثانية ص ١٦٠ من هذا الجزء.
(٥) الذي يحرث الأرض.
(٦) هو عمرو بن أحمد الباهلي، كما في اللسان مادة (فلح).

فتح البيان — صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
(أولئك) أي الذين هذه صفتهم وما فيه من البعد للإشعار بعلو درجتهم ورفعة مرتبتهم في الفضل وهو مبتدأ وخبره (على هدى من ربهم) أي على رشاد ونور، وقيل على استقامة منحوها من عنده وأوتوها من قبله، وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير والترقي إلى الأفضل فالأفضل والإبهام المفهوم من التنكير في (هدى) لكمال تفخيمه أي على هدى أي هدى، لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره، وهذا كلام مستأنف بياني، ويمكن أن يكون خبراً عن الذين يؤمنون بالغيب فيكون متصلاً بما قبله.
قال في الكشاف: قوله (وعلى هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه، ونحوه هو على الحق وعلى الباطل، وقد صرحوا بذلك في قوله جعل الغواية مركباً، وامتطى الجهل، واقتعد غارب الهوى اهـ.
وقال أبو السعود وإيراد كلمة الاستعلاء على استعارتها لتمسكهم بالهدى ْاستعارة تبعية متفرعة على تشبيهه باعتلاء الراكب واستوائه على مركوبه أو على جعلها قرينة للاستعارة بالكناية بين الهدى والمركوب للإيذان بقوة تمكنهم منه، وكمال رسوخهم فيه انتهى.
وقال الخفاجي الاستعارة في الحرف تبعية متعلقة وهو المعنى الكلي الشامل له كما حققوه والتمثيل ضرب المثل والإتيان بمثال ومطلق التشبيه والمركب منه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه، وإنما النزاع في الاستعارة التبعية هل تكون تمثيلية أم لا، فذهب الفاضل المحقق إلى جوازه متمسكاً بما صرح العلامة في مواضع من كشافه كما صرح به هنا وقد سبقه إليه الطيبي، وقال إنه مسلك الشيخين الزمخشري والسكاكي ولم يرتضه المدقق في الكشف، فأول ما في عباراتهم وتبعه فيه السيد وشنع على الفاضل حتى كأنه أبو عذرته وهي المعركة العظمى التي عقدت لها المجالس، وصنفت فيها الرسائل ما هو أشهر من " قفا نبك ".
والحاصل أن استعارة " على " استعارة تبعية تستلزم كون الاستعلاء مشبهاً به وتركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبهاً به فلا يجتمعان. ومن الفضلاء من رده، وانتصر للسعد سعد جده فقال هو ممنوع.
والحاصل أنه يجري في الحرف التمثيل بمعنى انتزاع الحالة من الأمور المتعددة ولا يجري فيه التشبيه في المفصل المركب قصداً.
والذي يخطر بالبال، بعد طي شقة القيل والقال، أن الخلاف بينهم في حرف واحد إذ لا خلاف في أن التمثيل التفصيلي المعروف يستدعي تركب الطرفين حقيقة، وأن التمثيل الآخر الذي هو محل النزاع هل يشترط فيه التركيب بعد الاتفاق على أنه لا يلزم التصريح بأجزائه لفظاً ولا تقديراً فذهب الشريف إلى أنه يشترط فيه أن تكون أجزاؤه مرادة منوية فلا يكون ما اقتصر عليه من الحرف ونحوه مما هو عمدة المعنى المجازي مستعملاً في معنى مجازي، بل حقيقة وإلا كان مجازاً مفرداً لا تمثيلاً، أو لا يشترط فيه ذلك بك يكفي تركب المأخذ المنتزع منه ذلك، ويكون الحرف المذكور مع ما يدل عليه بالالتزام من طرفي التشبيه وما يتممه متجوزاً فيه وإلا لم يصح دخول (على) على الهدى كما مشى عليه السعد، ومن مشى على جادته. فالنزاع كاللفظي انتهى حاصله.
قلت: وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام، واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين، وقد جمع العلامة الشوكاني في ذلك رسالة مستقلة سماها الطود المنيف، في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف، فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام، ويجمع بين أطراف الكلام على التمام، وحاصلها أن الحق في جانب السعد وأن الصواب بيده، وقد تقدمه إلى مثل هذا العلوي في حاشيته على الكشاف، وليس للسعد فيه زيادة على ما يفيده كلام الزمخشري إلا مجرد الإيضاح، ولم يأت بشيء من طرفه يستحق المؤاخذة عليه انتهى.
أقول فالحق اجتماع الاستعارة التبعية والتمثيلية، وذلك هو محل النزاع وقد اعترف الشريف بأن المقام صالح لهما لكن ادعى امتناع اجتماعهما، ويدلك على أن الاستعارة التبعية تمثيلية الاستقراء، وبه يشعر قول إمام الفن السكاكي صاحب المفتاح، وهذا صريح فيما صرح به السعد والله أعلم.
(وأولئك) في تكرير إسم الإشارة دلالة على أن كُلاَّ من الهداية الماضية والفلاح الآتي بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزاً على حياله.
(هم المفلحون) أي المنجحون الناجون الفائزون نجوا من النار، وفازوا بالجنة، والفلح الظافر بالمطلوب، والفلاح أصله في اللغة الشق والقطع قاله أبو عبيد، قال القرطبي: وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضاً في اللغة فمعناه الفائزون بالجنة، والباقون فيها، وقال في الكشاف: المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي أنفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه، انتهى.
وقد استعمل الفلاح في السحور، ومنه الحديث الذي رواه أبو داود " حتى كاد يفوتنا الفلاح قلت ما الفلاح؟ قال السحور: وكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحاً، وضمير الفصل ويسمى عماداً له فوائد ذكرها الخفاجي منها الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره، وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث.
ثم ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعاً لهذا الكلام عن الكلام الأول معنوناً له بما يفيدان شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم، وأنه لا يترتب عليه ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

فتح القدير — الشوكاني (١٢٥٠ هـ)

﴿وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ یُوقِنُونَ (٤) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (٥)﴾ [البقرة ٤-٥]
وقِيلَ: هم مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، فَإنَّهم جَمَعُوا بَيْنَ الإيمانِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وما أنْزَلَهُ عَلى مَن قَبْلَهُ وفِيهِمْ نَزَلَتْ.
وقَدْ رَجَّحَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ، ونَقَلَهُ السُّدِّيُّ في تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وأُناسٍ مِنَ الصَّحابَةِ، واسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّ مِن أهْلِ الكِتابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْكم وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١١٩] وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِن قَبْلِهِ هم بِهِ يُؤْمِنُونَ وإذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّنا إنّا كُنّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهم مَرَّتَيْنِ﴾ [القصص: ٥٢ - ٥٤] الآيَةَ.
والآيَةُ الأُولى نَزَلَتْ في مُؤْمِنِي العَرَبِ.
وقِيلَ: الآيَتانِ جَمِيعًا في المُؤْمِنِينَ عَلى العُمُومِ.
وعَلى هَذا فَهَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ الأُولى صِفَةً لِلْمُتَّقِينَ بَعْدَ صِفَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً عَلى الِاسْتِئْنافِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى المُتَّقِينَ بَعْدَ صِفَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً عَلى الِاسْتِئْنافِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى المُتَّقِينَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ولِلَّذِينِ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ.
والمُرادُ بِما أُنْزِلَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: هو القُرْآنُ، وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِهِ: هو الكُتُبُ السّالِفَةُ.
والإيقانُ: إيقانُ العِلْمِ بِانْتِفاءِ الشَّكِّ والشُّبْهَةِ عَنْهُ، قالَهُ في الكَشّافِ، والمُرادُ أنَّهم يُوقِنُونَ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ وسائِرِ أُمُورِ الآخِرَةِ مِن دُونِ شَكٍّ.
والآخِرَةُ تَأْنِيثُ الآخَرِ الَّذِي هو نَقِيضُ الأوَّلِ، وهي صِفَةُ الدّارِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا﴾ [القصص: ٨٣] وفي تَقْدِيمِ الظَّرْفِ مَعَ بِناءِ الفِعْلِ عَلى الضَّمِيرِ المَذْكُورِ إشْعارٌ بِالحَصْرِ، وأنَّ ما عَدا هَذا الأمْرَ الَّذِي هو أساسُ الإيمانِ ورَأْسُهُ لَيْسَ بِمُسْتَأْهِلٍ لِلْإيقانِ بِهِ والقَطْعِ بِوُقُوعِهِ.
وإنَّما عَبَّرَ بِالماضِي مَعَ أنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إذْ ذاكَ إلّا البَعْضُ لا الكُلُّ تَغْلِيبًا لِلْمَوْجُودِ عَلى ما لَمْ يُوجَدْ، أوْ تَنْبِيهًا عَلى تَحَقُّقِ الوُقُوعِ كَأنَّهُ بِمَنزِلَةِ النّازِلِ قَبْلَ نُزُولِهِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبِلَكَ﴾ أيْ يُصَدِّقُونَكَ بِما جِئْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ وما جاءَ بِهِ مِن قَبْلِكَ مِنَ المُرْسَلِينَ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهم، ولا يَجْحَدُونَ ما جاءُوهم مِن رَبِّهِمْ ﴿وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ إيمانًا بِالبَعْثِ والقِيامَةِ والجَنَّةِ والنّارِ والحِسابِ والمِيزانِ أيْ لا هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما كانَ قَبْلَكَ ويَكْفُرُونَ بِما جاءَ مِن رَبِّكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ.
والحَقُّ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في المُؤْمِنِينَ كالَّتِي قَبْلَها، ولَيْسَ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الإيمانِ بِما أُنْزِلَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وما أُنْزِلَ إلى مَن قَبْلَهُ بِمُقْتَضٍ لِجَعْلِ ذَلِكَ وصْفًا لِمُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ، ولَمْ يَأْتِ ما يُوجِبُ المُخالَفَةَ لِهَذا ولا في النَّظْمِ القُرْآنِيِّ ما يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وقَدْ ثَبَتَ الثَّناءُ عَلى مَن جَمَعَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ مِنَ المُؤْمِنِينَ في غَيْرِ آيَةٍ.
فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي أنْزَلَ مِن قَبْلُ﴾ [النساء: ١٣٦] وكَقَوْلِهِ: ﴿وقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إلَيْنا وأُنْزِلَ إلَيْكم﴾ [العنكبوت: ٤٦] وقَوْلِهِ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] وقالَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أحَدٍ مِنهم﴾ [النساء: ١٥٢] .

الميسر — مجمع الملك فهد

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
أصحاب هذه الصفات على نور من ربهم وبتوفيق مِن خالقهم وهاديهم، وهم الفائزون الذين أدركوا ما طلبوا، ونَجَوا من شرِّ ما منه هربوا.


الباحث القرآني
بحث
تفسير
علوم
مصاحف
معاجم
أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ
٢. البقرة
Type 1 or more characters for results.
٥
أمّهات
جامع البيان
ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
ابن كثير (٧٧٤ هـ)
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
القرطبي (٦٧١ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
البغوي (٥١٦ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
زاد المسير
ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
نحو ٥ مجلدات
النكت والعيون
الماوردي (٤٥٠ هـ)
نحو ٦ مجلدات
منتقاة
تفسير ابن قيّم الجوزيّة
ابن القيم (٧٥١ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
تفسير شيخ الإسلام
ابن تيمية (٧٢١ هـ)
نحو ٧ مجلدات
عامّة
تفسير القرآن
السمعاني (٤٨٩ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الهداية إلى بلوغ النهاية
مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ)
نحو ٧ مجلدات
محاسن التأويل
القاسمي (١٣٣٢ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
الجواهر الحسان
الثعالبي (٨٧٥ هـ)
نحو ٦ مجلدات
بحر العلوم
السمرقندي (٣٧٣ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الكشف والبيان
الثعلبي (٤٢٧ هـ)
نحو ٨ مجلدات
عامّة
فتح البيان
صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
الشوكاني (١٢٥٠ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
روح المعاني
الآلوسي (١٢٧٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
مفاتيح الغيب
فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
أخرى
أضواء البيان
محمد الأمين الشنقيطي (١٣٩٤ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
نظم الدرر
البقاعي (٨٨٥ هـ)
نحو ٢٠ مجلدًا
لغة وبلاغة
التحرير والتنوير
ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
المحرر الوجيز
ابن عطية (٥٤٦ هـ)
نحو ٨ مجلدات
البحر المحيط
أبو حيان (٧٤٥ هـ)
نحو ١٦ مجلدًا
التفسير البسيط
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو ٢٢ مجلدًا
إرشاد العقل السليم
أبو السعود (٩٨٢ هـ)
نحو ٩ مجلدات
الكشاف
الزمخشري (٥٣٨ هـ)
نحو ٨ مجلدات
معاصرة
الميسر
مجمع الملك فهد
نحو مجلد
المختصر
مركز تفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
السعدي (١٣٧٦ هـ)
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
أبو بكر الجزائري (١٤٣٩ هـ)
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
شركة الخبرات الذكية
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
المحلّي والسيوطي (٨٦٤، ٩١١ هـ)
نحو مجلد
جامع البيان
الإيجي (٩٠٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
البيضاوي (٦٨٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
النسفي (٧١٠ هـ)
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ)
نحو مجلدين
آثار
الدر المنثور
جلال الدين السيوطي (٩١١ هـ)
نحو ١٣ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم مسندًا
ابن أبي حاتم الرازي (٣٢٧ هـ)
نحو ١٠ مجلدات
اشترك لتصلك أخبار مشاريعنا

email@example.com


مشاريعنا
برعاية 

راسلنا  • تليجرام  • تويتر 
تعليمات • عن الباحث القرآني
أندرويد أيفون
فتح البيان — صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
(أولئك) أي الذين هذه صفتهم وما فيه من البعد للإشعار بعلو درجتهم ورفعة مرتبتهم في الفضل وهو مبتدأ وخبره (على هدى من ربهم) أي على رشاد ونور، وقيل على استقامة منحوها من عنده وأوتوها من قبله، وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير والترقي إلى الأفضل فالأفضل والإبهام المفهوم من التنكير في (هدى) لكمال تفخيمه أي على هدى أي هدى، لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره، وهذا كلام مستأنف بياني، ويمكن أن يكون خبراً عن الذين يؤمنون بالغيب فيكون متصلاً بما قبله.
قال في الكشاف: قوله (وعلى هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه، ونحوه هو على الحق وعلى الباطل، وقد صرحوا بذلك في قوله جعل الغواية مركباً، وامتطى الجهل، واقتعد غارب الهوى اهـ.
وقال أبو السعود وإيراد كلمة الاستعلاء على استعارتها لتمسكهم بالهدى ْاستعارة تبعية متفرعة على تشبيهه باعتلاء الراكب واستوائه على مركوبه أو على جعلها قرينة للاستعارة بالكناية بين الهدى والمركوب للإيذان بقوة تمكنهم منه، وكمال رسوخهم فيه انتهى.
وقال الخفاجي الاستعارة في الحرف تبعية متعلقة وهو المعنى الكلي الشامل له كما حققوه والتمثيل ضرب المثل والإتيان بمثال ومطلق التشبيه والمركب منه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه، وإنما النزاع في الاستعارة التبعية هل تكون تمثيلية أم لا، فذهب الفاضل المحقق إلى جوازه متمسكاً بما صرح العلامة في مواضع من كشافه كما صرح به هنا وقد سبقه إليه الطيبي، وقال إنه مسلك الشيخين الزمخشري والسكاكي ولم يرتضه المدقق في الكشف، فأول ما في عباراتهم وتبعه فيه السيد وشنع على الفاضل حتى كأنه أبو عذرته وهي المعركة العظمى التي عقدت لها المجالس، وصنفت فيها الرسائل ما هو أشهر من " قفا نبك ".
والحاصل أن استعارة " على " استعارة تبعية تستلزم كون الاستعلاء مشبهاً به وتركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبهاً به فلا يجتمعان. ومن الفضلاء من رده، وانتصر للسعد سعد جده فقال هو ممنوع.
والحاصل أنه يجري في الحرف التمثيل بمعنى انتزاع الحالة من الأمور المتعددة ولا يجري فيه التشبيه في المفصل المركب قصداً.
والذي يخطر بالبال، بعد طي شقة القيل والقال، أن الخلاف بينهم في حرف واحد إذ لا خلاف في أن التمثيل التفصيلي المعروف يستدعي تركب الطرفين حقيقة، وأن التمثيل الآخر الذي هو محل النزاع هل يشترط فيه التركيب بعد الاتفاق على أنه لا يلزم التصريح بأجزائه لفظاً ولا تقديراً فذهب الشريف إلى أنه يشترط فيه أن تكون أجزاؤه مرادة منوية فلا يكون ما اقتصر عليه من الحرف ونحوه مما هو عمدة المعنى المجازي مستعملاً في معنى مجازي، بل حقيقة وإلا كان مجازاً مفرداً لا تمثيلاً، أو لا يشترط فيه ذلك بك يكفي تركب المأخذ المنتزع منه ذلك، ويكون الحرف المذكور مع ما يدل عليه بالالتزام من طرفي التشبيه وما يتممه متجوزاً فيه وإلا لم يصح دخول (على) على الهدى كما مشى عليه السعد، ومن مشى على جادته. فالنزاع كاللفظي انتهى حاصله.
قلت: وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام، واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين، وقد جمع العلامة الشوكاني في ذلك رسالة مستقلة سماها الطود المنيف، في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف، فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام، ويجمع بين أطراف الكلام على التمام، وحاصلها أن الحق في جانب السعد وأن الصواب بيده، وقد تقدمه إلى مثل هذا العلوي في حاشيته على الكشاف، وليس للسعد فيه زيادة على ما يفيده كلام الزمخشري إلا مجرد الإيضاح، ولم يأت بشيء من طرفه يستحق المؤاخذة عليه انتهى.
أقول فالحق اجتماع الاستعارة التبعية والتمثيلية، وذلك هو محل النزاع وقد اعترف الشريف بأن المقام صالح لهما لكن ادعى امتناع اجتماعهما، ويدلك على أن الاستعارة التبعية تمثيلية الاستقراء، وبه يشعر قول إمام الفن السكاكي صاحب المفتاح، وهذا صريح فيما صرح به السعد والله أعلم.
(وأولئك) في تكرير إسم الإشارة دلالة على أن كُلاَّ من الهداية الماضية والفلاح الآتي بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزاً على حياله.
(هم المفلحون) أي المنجحون الناجون الفائزون نجوا من النار، وفازوا بالجنة، والفلح الظافر بالمطلوب، والفلاح أصله في اللغة الشق والقطع قاله أبو عبيد، قال القرطبي: وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضاً في اللغة فمعناه الفائزون بالجنة، والباقون فيها، وقال في الكشاف: المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي أنفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه، انتهى.
وقد استعمل الفلاح في السحور، ومنه الحديث الذي رواه أبو داود " حتى كاد يفوتنا الفلاح قلت ما الفلاح؟ قال السحور: وكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحاً، وضمير الفصل ويسمى عماداً له فوائد ذكرها الخفاجي منها الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره، وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث.

ثم ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعاً لهذا الكلام عن الكلام الأول معنوناً له بما يفيدان شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم، وأنه لا يترتب عليه ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

الباحث القرآني
بحث
تفسير
علوم
مصاحف
معاجم
أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ
٢. البقرة
Type 1 or more characters for results.
٥
أمّهات
جامع البيان
ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
ابن كثير (٧٧٤ هـ)
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
القرطبي (٦٧١ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
البغوي (٥١٦ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
زاد المسير
ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
نحو ٥ مجلدات
النكت والعيون
الماوردي (٤٥٠ هـ)
نحو ٦ مجلدات
منتقاة
تفسير ابن قيّم الجوزيّة
ابن القيم (٧٥١ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
تفسير شيخ الإسلام
ابن تيمية (٧٢١ هـ)
نحو ٧ مجلدات
عامّة
تفسير القرآن
السمعاني (٤٨٩ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الهداية إلى بلوغ النهاية
مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ)
نحو ٧ مجلدات
محاسن التأويل
القاسمي (١٣٣٢ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
الجواهر الحسان
الثعالبي (٨٧٥ هـ)
نحو ٦ مجلدات
بحر العلوم
السمرقندي (٣٧٣ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الكشف والبيان
الثعلبي (٤٢٧ هـ)
نحو ٨ مجلدات
عامّة
فتح البيان
صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
الشوكاني (١٢٥٠ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
روح المعاني
الآلوسي (١٢٧٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
مفاتيح الغيب
فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
أخرى
أضواء البيان
محمد الأمين الشنقيطي (١٣٩٤ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
نظم الدرر
البقاعي (٨٨٥ هـ)
نحو ٢٠ مجلدًا
لغة وبلاغة
التحرير والتنوير
ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
المحرر الوجيز
ابن عطية (٥٤٦ هـ)
نحو ٨ مجلدات
البحر المحيط
أبو حيان (٧٤٥ هـ)
نحو ١٦ مجلدًا
التفسير البسيط
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو ٢٢ مجلدًا
إرشاد العقل السليم
أبو السعود (٩٨٢ هـ)
نحو ٩ مجلدات
الكشاف
الزمخشري (٥٣٨ هـ)
نحو ٨ مجلدات
معاصرة
الميسر
مجمع الملك فهد
نحو مجلد
المختصر
مركز تفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
السعدي (١٣٧٦ هـ)
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
أبو بكر الجزائري (١٤٣٩ هـ)
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
شركة الخبرات الذكية
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
المحلّي والسيوطي (٨٦٤، ٩١١ هـ)
نحو مجلد
جامع البيان
الإيجي (٩٠٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
البيضاوي (٦٨٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
النسفي (٧١٠ هـ)
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ)
نحو مجلدين
آثار
الدر المنثور
جلال الدين السيوطي (٩١١ هـ)
نحو ١٣ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم مسندًا
ابن أبي حاتم الرازي (٣٢٧ هـ)
نحو ١٠ مجلدات
اشترك لتصلك أخبار مشاريعنا

email@example.com


مشاريعنا
برعاية 

راسلنا  • تليجرام  • تويتر 
تعليمات • عن الباحث القرآني
أندرويد أيفون
فتح القدير — الشوكاني (١٢٥٠ هـ)

﴿وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ یُوقِنُونَ (٤) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (٥)﴾ [البقرة ٤-٥]
وقِيلَ: هم مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، فَإنَّهم جَمَعُوا بَيْنَ الإيمانِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وما أنْزَلَهُ عَلى مَن قَبْلَهُ وفِيهِمْ نَزَلَتْ.
وقَدْ رَجَّحَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ، ونَقَلَهُ السُّدِّيُّ في تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وأُناسٍ مِنَ الصَّحابَةِ، واسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّ مِن أهْلِ الكِتابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْكم وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١١٩] وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِن قَبْلِهِ هم بِهِ يُؤْمِنُونَ وإذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّنا إنّا كُنّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهم مَرَّتَيْنِ﴾ [القصص: ٥٢ - ٥٤] الآيَةَ.
والآيَةُ الأُولى نَزَلَتْ في مُؤْمِنِي العَرَبِ.
وقِيلَ: الآيَتانِ جَمِيعًا في المُؤْمِنِينَ عَلى العُمُومِ.
وعَلى هَذا فَهَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ الأُولى صِفَةً لِلْمُتَّقِينَ بَعْدَ صِفَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً عَلى الِاسْتِئْنافِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى المُتَّقِينَ بَعْدَ صِفَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً عَلى الِاسْتِئْنافِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى المُتَّقِينَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ولِلَّذِينِ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ.
والمُرادُ بِما أُنْزِلَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: هو القُرْآنُ، وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِهِ: هو الكُتُبُ السّالِفَةُ.
والإيقانُ: إيقانُ العِلْمِ بِانْتِفاءِ الشَّكِّ والشُّبْهَةِ عَنْهُ، قالَهُ في الكَشّافِ، والمُرادُ أنَّهم يُوقِنُونَ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ وسائِرِ أُمُورِ الآخِرَةِ مِن دُونِ شَكٍّ.
والآخِرَةُ تَأْنِيثُ الآخَرِ الَّذِي هو نَقِيضُ الأوَّلِ، وهي صِفَةُ الدّارِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا﴾ [القصص: ٨٣] وفي تَقْدِيمِ الظَّرْفِ مَعَ بِناءِ الفِعْلِ عَلى الضَّمِيرِ المَذْكُورِ إشْعارٌ بِالحَصْرِ، وأنَّ ما عَدا هَذا الأمْرَ الَّذِي هو أساسُ الإيمانِ ورَأْسُهُ لَيْسَ بِمُسْتَأْهِلٍ لِلْإيقانِ بِهِ والقَطْعِ بِوُقُوعِهِ.
وإنَّما عَبَّرَ بِالماضِي مَعَ أنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إذْ ذاكَ إلّا البَعْضُ لا الكُلُّ تَغْلِيبًا لِلْمَوْجُودِ عَلى ما لَمْ يُوجَدْ، أوْ تَنْبِيهًا عَلى تَحَقُّقِ الوُقُوعِ كَأنَّهُ بِمَنزِلَةِ النّازِلِ قَبْلَ نُزُولِهِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبِلَكَ﴾ أيْ يُصَدِّقُونَكَ بِما جِئْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ وما جاءَ بِهِ مِن قَبْلِكَ مِنَ المُرْسَلِينَ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهم، ولا يَجْحَدُونَ ما جاءُوهم مِن رَبِّهِمْ ﴿وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ إيمانًا بِالبَعْثِ والقِيامَةِ والجَنَّةِ والنّارِ والحِسابِ والمِيزانِ أيْ لا هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما كانَ قَبْلَكَ ويَكْفُرُونَ بِما جاءَ مِن رَبِّكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ.
والحَقُّ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في المُؤْمِنِينَ كالَّتِي قَبْلَها، ولَيْسَ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الإيمانِ بِما أُنْزِلَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وما أُنْزِلَ إلى مَن قَبْلَهُ بِمُقْتَضٍ لِجَعْلِ ذَلِكَ وصْفًا لِمُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ، ولَمْ يَأْتِ ما يُوجِبُ المُخالَفَةَ لِهَذا ولا في النَّظْمِ القُرْآنِيِّ ما يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وقَدْ ثَبَتَ الثَّناءُ عَلى مَن جَمَعَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ مِنَ المُؤْمِنِينَ في غَيْرِ آيَةٍ.

فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي أنْزَلَ مِن قَبْلُ﴾ [النساء: ١٣٦] وكَقَوْلِهِ: ﴿وقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إلَيْنا وأُنْزِلَ إلَيْكم﴾ [العنكبوت: ٤٦] وقَوْلِهِ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] وقالَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أحَدٍ مِنهم﴾ [النساء: ١٥٢] 

الباحث القرآني
بحث
تفسير
علوم
مصاحف
معاجم
أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ
٢. البقرة
Type 1 or more characters for results.
٥
أمّهات
جامع البيان
ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
ابن كثير (٧٧٤ هـ)
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
القرطبي (٦٧١ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
البغوي (٥١٦ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
زاد المسير
ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
نحو ٥ مجلدات
النكت والعيون
الماوردي (٤٥٠ هـ)
نحو ٦ مجلدات
منتقاة
تفسير ابن قيّم الجوزيّة
ابن القيم (٧٥١ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
تفسير شيخ الإسلام
ابن تيمية (٧٢١ هـ)
نحو ٧ مجلدات
عامّة
تفسير القرآن
السمعاني (٤٨٩ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الهداية إلى بلوغ النهاية
مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ)
نحو ٧ مجلدات
محاسن التأويل
القاسمي (١٣٣٢ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
الجواهر الحسان
الثعالبي (٨٧٥ هـ)
نحو ٦ مجلدات
بحر العلوم
السمرقندي (٣٧٣ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الكشف والبيان
الثعلبي (٤٢٧ هـ)
نحو ٨ مجلدات
عامّة
فتح البيان
صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
الشوكاني (١٢٥٠ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
روح المعاني
الآلوسي (١٢٧٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
مفاتيح الغيب
فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
أخرى
أضواء البيان
محمد الأمين الشنقيطي (١٣٩٤ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
نظم الدرر
البقاعي (٨٨٥ هـ)
نحو ٢٠ مجلدًا
لغة وبلاغة
التحرير والتنوير
ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
المحرر الوجيز
ابن عطية (٥٤٦ هـ)
نحو ٨ مجلدات
البحر المحيط
أبو حيان (٧٤٥ هـ)
نحو ١٦ مجلدًا
التفسير البسيط
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو ٢٢ مجلدًا
إرشاد العقل السليم
أبو السعود (٩٨٢ هـ)
نحو ٩ مجلدات
الكشاف
الزمخشري (٥٣٨ هـ)
نحو ٨ مجلدات
معاصرة
الميسر
مجمع الملك فهد
نحو مجلد
المختصر
مركز تفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
السعدي (١٣٧٦ هـ)
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
أبو بكر الجزائري (١٤٣٩ هـ)
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
شركة الخبرات الذكية
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
المحلّي والسيوطي (٨٦٤، ٩١١ هـ)
نحو مجلد
جامع البيان
الإيجي (٩٠٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
البيضاوي (٦٨٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
النسفي (٧١٠ هـ)
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ)
نحو مجلدين
آثار
الدر المنثور
جلال الدين السيوطي (٩١١ هـ)
نحو ١٣ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم مسندًا
ابن أبي حاتم الرازي (٣٢٧ هـ)
نحو ١٠ مجلدات
اشترك لتصلك أخبار مشاريعنا

email@example.com


مشاريعنا
برعاية 

راسلنا  • تليجرام  • تويتر 
تعليمات • عن الباحث القرآني
أندرويد أيفون
تفسير القرآن العظيم — ابن كثير (٧٧٤ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ: الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ: مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَالْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى الرَّسُولِ ومَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَالْإِيقَانِ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِعْدَادَ لَهَا مِنَ الْعَمَلِ بِالصَّالِحَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.
﴿عَلَى هُدًى﴾ أَيْ: نُورٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمة أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا، وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَبُرْهَانٍ وَاسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ، بِتَسْدِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيِ المُنْجِحون الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، مِنَ الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، وَالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ، وَالنَّجَاةِ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْعِقَابِ(١) .
وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَعَادَ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ إِلَى مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَوْصُوفِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ الْآيَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ. [قَالَ](٢) وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ مُنْقَطِعًا(٣) مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ ﴿ [أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَ] أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(٤) وَاخْتَارَ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، لِمَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَمَّا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعَرَبِ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. ثُمَّ جَمَعَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْجِيحِ أَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، وَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نُقِلَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَرْجُو، وَنَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَكَادُ أَنْ نَيْأَسَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ: "أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؟ ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:" ﴿أَلَمْ * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ " إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ". قَالُوا: إِنَّا نَرْجُو أَنْ نَكُونَ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَالَ:" ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ " إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٌ﴾ هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ". قَالُوا: لَسْنَا هم يا رسول الله. قال: "أجل "(٥) .

(١) تفسير الطبري (١/٢٤٩) .
(٢) زيادة من جـ، ب، أ، و.
(٣) في جـ، ط، ب، أ، و: "مقتطعا".
(٤) زيادة من جـ، ط، ب.

(٥) تفسير ابن أبي حاتم (١/٤٠) .

الباحث القرآني
بحث
تفسير
علوم
مصاحف
معاجم
أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ
٢. البقرة
Type 1 or more characters for results.
٥
أمّهات
جامع البيان
ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
ابن كثير (٧٧٤ هـ)
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
القرطبي (٦٧١ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
البغوي (٥١٦ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
زاد المسير
ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
نحو ٥ مجلدات
النكت والعيون
الماوردي (٤٥٠ هـ)
نحو ٦ مجلدات
منتقاة
تفسير ابن قيّم الجوزيّة
ابن القيم (٧٥١ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
تفسير شيخ الإسلام
ابن تيمية (٧٢١ هـ)
نحو ٧ مجلدات
عامّة
تفسير القرآن
السمعاني (٤٨٩ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الهداية إلى بلوغ النهاية
مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ)
نحو ٧ مجلدات
محاسن التأويل
القاسمي (١٣٣٢ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
الجواهر الحسان
الثعالبي (٨٧٥ هـ)
نحو ٦ مجلدات
بحر العلوم
السمرقندي (٣٧٣ هـ)
نحو ٥ مجلدات
الكشف والبيان
الثعلبي (٤٢٧ هـ)
نحو ٨ مجلدات
عامّة
فتح البيان
صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
الشوكاني (١٢٥٠ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
روح المعاني
الآلوسي (١٢٧٠ هـ)
نحو ٢٨ مجلدًا
مفاتيح الغيب
فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
أخرى
أضواء البيان
محمد الأمين الشنقيطي (١٣٩٤ هـ)
نحو ١١ مجلدًا
نظم الدرر
البقاعي (٨٨٥ هـ)
نحو ٢٠ مجلدًا
لغة وبلاغة
التحرير والتنوير
ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
نحو ٢٤ مجلدًا
المحرر الوجيز
ابن عطية (٥٤٦ هـ)
نحو ٨ مجلدات
البحر المحيط
أبو حيان (٧٤٥ هـ)
نحو ١٦ مجلدًا
التفسير البسيط
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو ٢٢ مجلدًا
إرشاد العقل السليم
أبو السعود (٩٨٢ هـ)
نحو ٩ مجلدات
الكشاف
الزمخشري (٥٣٨ هـ)
نحو ٨ مجلدات
معاصرة
الميسر
مجمع الملك فهد
نحو مجلد
المختصر
مركز تفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
السعدي (١٣٧٦ هـ)
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
أبو بكر الجزائري (١٤٣٩ هـ)
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
شركة الخبرات الذكية
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
المحلّي والسيوطي (٨٦٤، ٩١١ هـ)
نحو مجلد
جامع البيان
الإيجي (٩٠٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
البيضاوي (٦٨٥ هـ)
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
النسفي (٧١٠ هـ)
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الواحدي (٤٦٨ هـ)
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ)
نحو مجلدين
آثار
الدر المنثور
جلال الدين السيوطي (٩١١ هـ)
نحو ١٣ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم مسندًا
ابن أبي حاتم الرازي (٣٢٧ هـ)
نحو ١٠ مجلدات
اشترك لتصلك أخبار مشاريعنا

email@example.com


مشاريعنا
برعاية 

راسلنا  • تليجرام  • تويتر 
تعليمات • عن الباحث القرآني
أندرويد أيفون
الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة ٥]
قَالَ النَّحَّاسُ أَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: ألاك، وبعضهم يقول: ألا لك، والكاف لِلْخِطَابِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَنْ قَالَ أُولَئِكَ فَوَاحِدُهُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ أُلَاكَ فَوَاحِدُهُ ذَاكَ، وَأُلَالِكَ مثل أولئك، وأنشد ابن السكيت:
ألا لك قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أُشَابَةً(١) ... وَهَلْ يَعِظُ الضَّلِيلَ إِلَّا أُلَالِكَا
وَرُبَّمَا قَالُوا: أُولَئِكَ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ... وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ
وَقَالَ تَعَالَى:" إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا(٢) " [الاسراء: ٣٦] وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "مِنْ رَبِّهِمْ" رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: يَخْلُقُونَ إِيمَانَهُمْ وَهُدَاهُمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ: "مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ(٣) وَفِي الْهُدَى(٤) فَلَا مَعْنَى لاعادة ذلك.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ...  "رَبِّهِمْ" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً ثَانِيًا وَخَبَرُهُ "الْمُفْلِحُونَ"، وَالثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "رَبِّهِمْ" زَائِدَةً يُسَمِّيهَا الْبَصْرِيُّونَ فَاصِلَةً وَالْكُوفِيُّونَ عِمَادًا وَ "الْمُفْلِحُونَ" خبر "أُولئِكَ".
وَالْفَلْحُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الْحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ

أَيْ يُشَقُّ، وَمِنْهُ فِلَاحَةُ الْأَرَضِينَ إِنَّمَا هُوَ شَقُّهَا لِلْحَرْثِ، قال أَبُو عُبَيْدٍ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَكَّارُ(٥) فَلَّاحًا. وَيُقَالُ لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَتُهُ السُّفْلَى أَفْلَحُ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَلْحَةِ، فَكَأَنَّ الْمُفْلِحَ قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِبَ حَتَّى نَالَ مَطْلُوبَهُ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَوْزِ وَالْبَقَاءِ، وَهُوَ أَصْلُهُ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِاِمْرَأَتِهِ: اسْتَفْلِحِي بِأَمْرِكِ، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِكِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ
وَقَالَ الْأَضْبَطُ بْنُ قُرَيْعٍ السَّعْدِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سِعَهْ ... وَالْمُسْيُّ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ
يَقُولُ: لَيْسَ مَعَ كَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بَقَاءٌ. وَقَالَ آخَرُ:
نَحِلُّ بِلَادًا كُلَّهَا حُلَّ قَبْلَنَا ... وَنَرْجُو الْفَلَاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرَ
أَيِ الْبَقَاءَ: وَقَالَ عُبَيْدٌ:
أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُدْرَكُ بِالضَّ ... عْفِ وَقَدْ يُخَدَّعُ الْأَرِيبُ

أَيِ ابْقَ بِمَا شِئْتَ مِنْ كَيْسٍ وَحُمْقٍ فَقَدْ يُرْزَقُ الْأَحْمَقُ وَيُحْرَمُ الْعَاقِلُ. فَمَعْنَى "وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ": أَيِ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: الْمُفْلِحُونَ هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طلبوا ونجوا من شر مأمنه هَرَبُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْفَلَاحُ فِي السَّحُورِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاحُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ السَّحُورَ بِهِ بَقَاءُ الصَّوْمِ فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا. وَالْفَلَّاحُ (بِتَشْدِيدِ اللَّامِ): الْمُكَارِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:(٦)
لَهَا رِطْلٌ تَكِيلُ الزَّيْتَ فِيهِ ... وَفَلَّاحٌ يَسُوقُ لَهَا حِمَارًا
ثُمَّ الْفَلَاحُ فِي الْعُرْفِ: الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاةُ من المرهوب.
مسألة: إن قال قائل كَيْفَ قَرَأَ حَمْزَةُ: عَلَيْهُمْ وَإِلَيْهُمْ وَلَدَيْهُمْ، وَلَمْ يَقْرَأْ مِنْ رَبُّهُمْ وَلَا فِيهُمْ وَلَا جَنَّتَيْهُمْ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ وَلَدَيْهِمُ الْيَاءُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ أَلِفٍ، وَالْأَصْلُ عَلَاهُمْ وَلَدَاهُمْ وَإِلَاهُمْ فَأُقِرَّتِ الْهَاءُ عَلَى ضَمَّتِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي فِيهِمْ وَلَا مِنْ رَبِّهِمْ وَلَا جَنَّتَيْهِمْ، وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيُّ فِي "عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ" وَ "إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ" عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَنْهُمَا.

(١) الاشابة من الناس: الأخلاط. والاشابة في الكسب: ما خالطه الحرام الذي لا خير فيه والسحت.
(٢) راجع ج ١٠ ص ٢٥٩.
(٣) راجع المسألة الحادية والثلاثين ص ١٤٩.
(٤) راجع المسألة الثانية ص ١٦٠ من هذا الجزء.
(٥) الذي يحرث الأرض.

(٦) هو عمرو بن أحمد الباهلي، كما في اللسان مادة (فلح).





0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More